لا شك أن محاكمة 11 من الإسلاميين المتهمين بارتكاب عدة جرائم منفصلة عن بعضها بعضاً لها علاقة بالقتل الجماعي أمام محكمة فيدرالية أميركية ستلقي الأضواء على الأمور العقيدية نفسها، إضافة إلى كونها فرصة يواجه فيها التطرف لحظة حقيقته. كما يرجح أن تحدد استجابة الأمة الإسلامية لهذه المحاكمات، مدى سلمية العقيدة الإسلامية. وإلى جانب أعضاء هيئة المحلفين، فمما لاشك فيه أن هذه المحاكمات ستتم أيضاً أمام محكمة الرأي العام الأميركي قبل أي شيء آخر. وستشهد الأيام المبكرة من بدايات العام المقبل بدء محاكمة المتهم خالد شيخ محمد وأربعة آخرين من زملائه المعتقلين في سجن جوانتانامو أمام محكمة مدنية أميركية في نيويورك بتهمة تدبير هجمات 11 سبتمبر وقتل ما يقارب الـ3000 ضحية نتيجة تلك الهجمات. هذا إضافة إلى محاكمة 5 متهمين آخرين أمام محكمة عسكرية، في اتهامات منفصلة، بما فيها مهاجمة السفينة الحربية الأميركية "كول" في سواحل اليمن، ما أدى إلى مصرع 17 من بحارتها. وأمام محكمة عسكرية أخرى سيقدم الميجور نضال مالك حسن للمحاكمة في مواجهة اتهامات بقتل 13 من زملائه بقاعدة "فورت هود" العسكرية بولاية تكساس. وحسب ما نقل عنه من إفادات، فقد شعر نضال مالك حسن بأنه ليس من الدين ولا الأخلاق أن يشارك هو شخصياً في حروب تخوضها الولايات المتحدة الأميركية ضد الأمة الإسلامية في العراق وأفغانستان. وهذا ما يدفعنا لإثارة السؤال: لماذا يبدو الإسلام كما لو كان مخيفاً جداً لعدد كبير من الغربيين؟ وهو ليس سوى سؤال واحد بين جملة من الأسئلة الصعبة القاسية التي تثيرها هذه المحاكمات حول خلفيات سوء الفهم لدى قطاعات من الرأي العام الغربي للإسلام نفسه، مع العلم أنه عقيدة يدين بها ما لا يقل عن 1.5 مليار نسمة في مختلف أنحاء العالم. غير أن الإجابة عن السؤال الأول تتضمن القول إن عنف ردود أفعال المسلمين لما يتعرضون له من استفزازات وإساءات، يمثل بدوره أحد العوامل الرئيسية التي تثير ذعر بعض الغربيين من الإسلام. فعلى سبيل المثال قتل المخرج الهولندي "تيو فان غوخ" في عام 2004 بسبب إخراجه لفيلم وثائقي قيل إنه ينتقد الإسلام. وفي العام التالي لتلك الحادثة، قتل ما يزيد على 200 شخص أثناء مظاهرات وتفجيرات وقعت بسبب نشر رسومات كرتونية مسيئة في إحدى الصحف الدانمركية. وبسبب الضغوط التي تمثلها ردود الفعل العنيفة تلك، رفضت مطبعة جامعة "يل" إعادة نشر الرسومات الكرتونية المسيئة، ضمن دراسة أكاديمية أجريت حولها، خوفاً من أن يؤدي النشر لإثارة نيران العنف مجدداً. ويتعلق السؤال الثاني الذي يتوقع لهذه المحاكمات إثارته بمدى ولاء بعض المسلمين، في الدول الغربية، للمجتمعات التي ينتمون إليها. فإلى أيهما ينتمي المسلمون الأميركيون ابتداءً: إلى العالم الإسلامي، أم إلى المجتمع العلماني الذي انتموا إليه؟ يجدر بالذكر هنا أن نضال مالك حسن لم يكن هو الجندي المسلم الوحيد الذي قتل زملاءه العسكريين بسبب تنازع الولاءات الذي سيطر عليه. ففي عام 2003 قتل الرقيب حسن أكبر اثنين من زملائه من الجنود الأميركيين بواسطة قنبلة يدوية. والسبب هذه المرة -كما ساد الاعتقاد- هو الوازع الأخلاقي الديني. والحقيقة أن للقلق إزاء تنازع الولاءات جذوراً عميقة تأثرت بها الأقليات الأميركية بصفة خاصة. وبسببه وجه السؤال علناً قبل نصف قرن مضى إلى المرشح الرئاسي حينها جون فرانكلين كنيدي -الذي كان كاثوليكياً رومانياً- عما إذا كان يدين بالولاء للدستور الأميركي أم لبابا الفاتيكان في روما؟ وقبل وقت قريب جداً حكمت إحدى المحاكم الأميركية بالسجن المؤبد على جوناثان بولارد، وهو مواطن أميركي من أصل يهودي بتهمة التجسس على أميركا لصالح إسرائيل. وبسبب جريمته تلك، فقد تعين عليه إمضاء ما تبقى من حياته داخل أحد السجون الفيدرالية الأميركية، لكونه يدين لوطنه الأم إسرائيل، أكثر مما يدين لأميركا التي يقيم فيها وأصبحت وطناً ثانياً له. وهنا في هذه القضية حوكمت الجريمة التي ارتكبها هذا المواطن الأميركي اليهودي، وليس الديانة التي ينتمي إليها. وهذا بالضبط ما ينبغي للأمة الإسلامية تذكره جيداً عندما يقف هؤلاء المتهمون الأحد عشر أمام عدة محاكم أميركية في مواجهة اتهامات تتعلق بجرائم قتل جماعي ارتكبوها، وليس بسبب انتمائهم الديني الإسلامي، بطبيعة الحال. وحين يدعي المتطرفون ويروجون للقول إن أميركا أعلنت الحرب على الإسلام، فإن ذلك يقلب صورة الأشياء في مرآة الواقع بالفعل. فالصورة الصحيحة هي أن الإسلاميين الراديكاليين وليس الأميركيون العلمانيون هم الذين يصورون النزاع الدائر بين أميركا وجماعات الإرهاب والتطرف من منظور ديني، ويعلنون مواصلتهم للعنف باسم الإسلام والمسلمين، على اعتقاد خاطئ منهم بأن بقية الأمة الإسلامية تتبعهم في هذا الضلال، والإسلام والمسلمون من التطرف والإرهاب بريئان! أما بالنسبة لأميركا، فإنه لم يكن يوماً من سماتها خوض الحروب وشنها على أساس ديني. ولكل من يعرف التاريخ جيداً، فإن المعلوم أن الذين أسسوا هذه القارة العلمانية الديمقراطية الجديدة، هم مجموعات الفارين من جحيم الحروب الدينية الأوروبية الطويلة. وعلى رغم ما روج له الراديكاليون الإسلاميون من أن بوش قد شن حرباً على الإسلام والمسلمين، تبقى حقيقة أن بوش هو من طمأن المسلمين على أنه لا صلة للإسلام بالحرب التي تشنها بلاده على المتطرفين والإرهابيين. وهذا ما يدفعنا لإثارة السؤال الأخير: ما العمل لإبراز صورة الإسلام السلمية في الغرب.. وما العمل لجعل الإنسان الغربي يفرق بين الأقلية العنيفة المتطرفة، والأغلبية المسلمة المعتدلة والمسالمة؟ هذا ما يتعين على المسلمين تقديم الإجابة عنه. والتر ردوجرز كاتب ومحلل سياسي أميركي ينشر بترتيب خاص مع خدمة "كريستيان ساينس مونيتور"